فصل: الشروط الواجب توافرها في المفسر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الشروط الواجب توافرها في المفسر:

إن علم التفسير ليس متوقفًا على علم النحو فقط كما يظنه بعض الناس بل أكثر العربية هم بمعزل عن التصرف في الفصاحة والتفنن في البلاغة ولذلك قلت تصانيفهم في علم التفسير وقل أن ترى نحويًا بارعًا في النظم والنثر كما قل أن ترى بارعًا في الفصاحة يتوغل في علم النحو وقد رأينا من ينسب للإمامة في علم النحو وهو لا يحسن أن ينطق بأبيات من أشعار العرب فضلًا عن أن يعرف مدلولها أو يتكلم على ما انطوت عليه من علم البلاغة والبيان فأنى لمثل هذا أن يتعاطى علم التفسير ولله در أبي القاسم الزمخشري حيث قال في خطبة كتابه في التفسير ما نصه إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح عن غرائب نكت يلطف مسلكها ومستودعات أسرار يدق سلكها علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وأجالة النظر فيه كل ذي علم كما ذكر الجاحظ في كتاب نظم القرآن فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام والمتكلم وإن بز أهل الدنيا في صناعة الكلام وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما المعاني وعلم البيان وتمهل في ارتيادهما آونة وتعب في التنقير عنهما أزمنة وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله وحرص على استيضاح معجزة رسول الله بعد أن يكون آخذًا من سائر العلوم بحظ جامعًا بين أمرين تحقيق وحفظ كثير المطالعات طويل المراجعات قد رجع زمانًا ورجع إليه ورد ورد عليه فارسًا في علم الإعراب مقدمًا في جملة الكتاب وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها يقظان النفس درًا كالمجة وإن لطف شأنها منتبهًا على الرمزة وإن خفي مكانها لا كزًا جاسيًا ولا غليظًا جافيًا متصرفًا ذا درية بأساليب النظم والنثر مرتاضًا غير ريض بتلقيح نبات الفكر قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف وكيف نظم ويرصف طالما دفع إلى مضايقه ووقع في مداحضة ومزالقه انتهى كلام الزمخشري في وصف متعاطي تفسير القرآن وأنت ترى هذا الكلام وما احتوى عليه من الترصيف الذي يبهر بجنسه الأدباء ويقهر بفصاحته البلغاء وهو شاهد له بأهليته للنظر في تفسير القرآن واستخراج لطائف الفرقان حديثه عن الزمخشري وابن عطية وهذا أبو القاسم محمود بن عمر المشرقي الخوارزمي الزمخشري وأبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي المغربي الغرناطي أجل من صنف في علم التفسير وأفضل من تعرض للتنقيح فيه والتحرير وقد اشتهرا ولا كاشتهار الشمس وخلدا في الأحياء وإن هدا في الرمس وكلامهما فيه يدل على تقديمها في علوم من منثور ومنظوم ومنقول ومفهوم وتقلب في فنون الآداب وتمكن من علمي المعاني والإعراب وفي خطبتي كتابيهما وفي غضون كتاب الزمخشري ما يدل على أنهما فارسا ميدان وممارسا فصاحة وبيان وللزمخشري تصانيف غير تفسيره منها الفائض في لغات الحديث ومختلف الأسماء ومؤتلفها وربيع الأبرار والرائض في الفرائض والمفصل وغير ذلك وقد ذكر الوزير أبو نصر الفتح بن خاقان الأشبيلي في كتابه المسمى قلائد العقيان ومحاسن الأعيان أبا محمد بن عطية فقال فيه نبعة روح العلا ومحرز ملابس الثنا فذ الجلالة وواحد العصر والأصالة وقار كما رسا الهضب وأدب كما اطرد السلسل العذب أثره في كل معرفة علم في رأسه نار وطوالعه في آفاقها صبح ونهار وقد أثبت من نظمه ما ينفخ عبيرًا ويتضح منيرًا وأورد له نثرًا كما نظم قلائد ونظمًا تزدان بمثله أجياد الولائد من ألفاظ عذبة تستنزل برقتها العصم ومعان مبتكرة تفحم الألد الخصم أبقت له ذكرًا مخلدًا على جبين الدهر وعرفًا أرجًا كتضوع الزهر ولما كان كتاباهما في التفسير قد أنجدا وأغارا وأشرقا في سماء هذا العلم وأنارا وتنزلا من الكتب التفسيرية منزلة الإنسانية من العين والذهب الا بريز من العين ويتيمة الدر من اللالي وليلة القدر من الليالي فعكف الناس شرقا وغربا عليهما وثنوا أعنه الاعتناء إليهما وكان فيهما على جلالتهما مجال لانتقاد ذوي التبريز ومسرح للتخييل فيهما والتمييز ثنيت إليهما عنان الانتقاد وحللت ما تخيل الناس فيهما من الاعتقاد أنهما في التفسير الغاية التي لا تدرك والمسلك الوعر الذي لا يكاد يسلك وعرضتهما على محك النظر وأرويت فيهما نار الفكر حتى خلص دسيسهما وبرز نفيسهما وسيرى ذلك من هو للنظر أهل واجتمع فيه إنصاف وعدل فإنه يتعجب من التولج على الضراغم والتحرز لأشبالها والأنف راغم إذ هذان الرجلان هما فارسا علم التفسير وممارسا تحريره والتحبير نشراه نشرًا وطار لهما به ذكرًا وكانا متعاصرين في الحياة متقاربين في الممات (ولد أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري) بزمخشر قرية من قرى خوارزم يوم الأربعاء السابع عشر لرجب سنة سبع وستين وأربعمائة (وتوفي بكركانج) قصبة خوارزم ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة (وولد أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية المحاربي من أهل غرناطة) سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وتوفي بلورقة في الخامس والعشرين لرمضان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة هكذا ذكره القاضي ابن أبي جمرة في وفاة ابن عطية وقال الحافظ أبو القاسم بن بشكوال توفي يعني ابن عطية سنة اثنين وأربعين وخمسمائة وكتاب ابن عطية أنقل وأجمع وأخلص وكتاب الزمخشري ألخص وأغوص إلا أن الزمخشري قائل بالطفرة ومقتصر من الذؤابة على الوفرة فربما سنح له آبي المقادة فأعجزه اعتياصه ولم يمكنه لتأنيه اقتناصه فتركه عقلًا لمن يصطاده وغفلًا لمن يرتاده وربما ناقض هذا المنزع فثنى العنان إلى الواضح والسهل اللائح وأجال فيه كلامًا ورمى نحو غرضه سهامًا هذا مع ما في كتابه من نصره مذهبه وتقحم مرتكبه وتجشم حمل كتاب الله عز وجل عليه ونسبه ذلك إليه فمغتفر إساءته لإحسانه ومصفوح عن سقطه في بعض لإصابته في أكثر تبيانه فما كان في كتابي هذا من تفسير الزمخشري رحمه الله تعالى فأخبرني به أستاذنا العلامة أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير قراءة مني عليه فيه وإجازة أيام كنت أبحث معه في كتاب سيبويه عن القاضي ابن الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السكوني عن أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي ح وأخبرني به عاليًا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي عرف بابن البخاري في كتابه إلي من دمشق عن أبي طاهر الخشوعي وهو آخر من حدث عنه عن الزمخشري وما كان في هذا الكتاب من تفسير ابن عطية فأخبرني به القاضي الإمام أبو علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص القرشي قراءة مني عليه لبعضه ومناولة عن الحافظ أبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي قال أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنصاري يعرف بابن حبيش قال أخبرنا به مصنفه قراءة عليه لجميعه وأخبرني به عاليًا القاضي الأصولي المتكلم أبو الحسن محمد بن القاضي الأصولي المتكلم أبي عامر يحيى بن عبد الرحمن الأشعري نسبًا ومذهبًا إجازة كتبها لي بخطه بغرناطة عن أبي الحسن علي بن أحمد بن علي الغافقي الشقوري بقرطبة وهو آخر من حدث عن ابن عطية وهو آخر من روى عنه واعتمدت في أكثر نقول كتابي هذا على كتاب التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير من جمع شيخنا الصالح القدوة الأديب جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سليمان بن حسن بن حسين المقدسي عرف بابن النقيب- رحمه الله تعالى- إذ هو أكبر كتاب رأيناه صنف في علم التفسير يبلغ في العدد مائة سفر أو يكاد إلا أنه كثير التكرير قليل التحرير مفرط الإسهاب لم يعد جامعه من نسخ كتب في كتابه كذلك كان فيه بحال التهذيب ومراد الترتيب وهذا الكتاب روايتي بالإجازة من جامعه رحمه الله تعالى وقد شاهدناه غير مرة حين جمعه يقول للناسخ اقرأ علي فيقرأ عليه فيقول اكتب من كذا إلى كذا وينقل ما في كتب التفسير التي اعتمدها ويعزو أكثر المواضع ما ينقل منها إلى مصنف ذلك الكتاب وكان فيه فضيلة أدب وله نثر ونظم متوسط رحمه الله تعالى ورضي عنه (وقد تقدم أني قرأت كتاب الله تعالى على جماعة من المقرئين رحمهم الله تعالى) وأنا الآن أسند قراءتي القرآن من بعض الطرق وأذكر شيئًا مما ورد في القرآن وفضائله وتفسيره على سبيل الاختصار فأقول قرأت القرآن برواية ورش وهي الرواية التي ننشأ عليها ببلادنا ونتعلمها أولًا في المكتب على المسند المعمر العدل أبي طاهر إسماعيل بن هبة اله بن علي المليجي بمصر وقرأتها على أبي الجود غياث بن فارس بن مكي المنذري بمصر وقرأتها على أبي الفتوح ناصر بن الحسن بن إسماعيل الزيدي بمصر وقرأتها على أبي الحسن يحيى بن علي بن أبي الفرج الخشاب بمصر وقرأتها علي ابن الحسن أحمد بن سعيد بن نفيس بمصر وقرأتها على ابن عدي عبد العزيز بن علي بن محمد عرف بابن الإمام بمصر وقرأتها على أبي بكر بن عبد الله بن مالك بن سيف بمصر وقرأتها على أبي يعقوب بن يوسف بن عمرو بن سيار ويقال يسار الأزرق بمصر وقرأتها على أبي عمر وعثمان بن سعيد بن عدي الملقب بورش بمصر وقرأتها على أبي عبد الرحمن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ نافع على أبي جعفر يزيد بن القعقاع بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ يزيد على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عبد الله على أبي المنذر أبي بن كعب بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ أبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا إسناد صحيح دائر بين مصري ومدني فمن شيخي إلى ورش مصريون ومن نافع إلى من بعده مدنيون (ومثل هذا الإسناد عزيز الوجود بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشرة رجلًا) وهذا من أعلي الأسانيد التي وقعت لي وقد وقع لي في بعض القراءات أن بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر رجلًا وذلك في قراءة عاصم وهي القراءة التي ينشأ عليها أهل العراق وهو إسناد أعلى ما وقع لأمثالنا وقرأت القرآن على أبي الطاهر بن المليجي قال قرأت على أبي الجود قال قرأت على أبي الفتوح الزيدي قال قرأت على أبي الحسن علي بن أحمد الأبهري قال قرأت على أبي محمد يحيى بن محمد بن قيس الأنصاري العليمي الكوفي قال قرأت على أبي بكر بن عياش قال قرأت على عاصم وقرأ عاصم على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي على أبي بن كعب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وقرأ هؤلاء الخمسة على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-